فصل: كتاب كسر الشهوتين ( شهوة البطن وشهوة الفرج )

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر منهاج القاصدين **


كتاب كسر الشهوتين [ شهوة البطن وشهوة الفرج ]

شهوة البطن من أعظم المهلكات، وبها أُخرج آدم عليه السلام من الجنة، ومن شهوة البطن تحدث شهوة الفرج والرغبة في المال، ويتبع ذلك آفات كثيرة، كلها من بطر الشبع‏.‏وفى حديث النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال ‏:‏ ‏"‏المؤمن يأكل في معيً واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء‏"‏‏.‏وفى حديث أخر ‏:‏‏"‏ ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، حسب ابن أدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشربه، وثلث لنفسه‏"‏‏.‏

وقال عقبة الراسبي‏:‏ دخلت على الحسن وهو يتغذى، فقال‏:‏ هلم، فقلت‏:‏ أكلت حتى لا أستطيع، فقال‏:‏ سبحان الله أو يأكل المسلم حتى لا يستطيع أن يأكل‏؟‏‏.‏‍‍‍ وقد بالغ جماعة من الزهاد في التقلل من الأكل والصبر على الجوع، وقد بينا عيب ما سلكوا في غير هذا الكتاب، ومقام العدل في الأكل رفع اليدين مع بقاء شىء من الشهوة، ونهاية المقام الحسن قوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ “ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه‏"‏‏.‏ فالأكل ‍‍في مقام العدل يصح البدن وينفى المرضى، وذلك أن يتناول الطعام حتى يشتهيه، ثم يرفع يده وهو يشتهيه، والدوام على التقلل من الطعام يضعف القوى، وقد قلل أقوام مطاعمهم حتى قصروا عن الفرائض، وظنوا بجهلهم أن ذلك فضيلة، وليس كذلك، ومن مدح الجوع، فإنما أشار إلى الحالة المتوسطة التي ذكرناها‏.‏وطريق الرياضة في كسر شهوة البطن أن من تعود استدامة الشبع، فينبغي له أن يقلل من مطعمه يسيراً مع الزمان، إلى أن يقف على حد التوسط الذي أشرنا إليه، وخير الأمور أوساطها، فالأولى تناول مالا يمنع من العبادات، ويكون سبباً لبقاء القوة، فلا يحس المتناول بجوع ولا شبع، فحينئذ يصح البدن، وتجتمع الهمة، ويصفو الفكر، ومتى زاد في الأكل أورثه كثرة النوم، وبلادة الذهن، وذلك بتكثير البخار في الدماغ حتى يغطى مكان الفكر، وموضع الذكر، ويجلب أمراضاً أخر‏.‏ وليحذر من ترك شيئاً من الشهوات أن تتطرق إليه آفة الرياء، وقد كان بعضهم يشترى الشهوة ويعلقها في بيته وهو زاهد فيها، يستر بها زهده، وهذا هو نهاية الزهد، الزهد في الزهد بإظهار ضده، وهو عمل الصديقين، لأنه يجرع نفسه كأس الصبر مرتين، والثانية أمر‏.‏ وأما شهوة الفرج، فاعلم أن شهوة الوقاع سلطت على الآدمي لفائدتين‏:‏إحداهما‏:‏ بقاء النسل، والثانية ليدرج لذة يقيس عليها لذات الآخرة، فإن ما لم يدرك جنسه بالذوق، لا يعظم إليه الشوق، إلا أنه إذ لم ترد هذه الشهوة إلى الاعتدال، جلبت آفات كثيرة، ومحناً، ولولا ذلك ما كان النساء حبائل الشيطان‏.‏وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ ما تركت في الناس بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء‏"‏‏.‏وقال بعض الصالحين‏:‏ لو ائتمنني رجل على بيت مال، لظننت أن أودى إليه الأمانة، ولو ائتمنني على زنجية أخلو بها ساعة واحدة، ما ائتمنت نفسي عليها‏.‏وعن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لا يخلو رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان‏"‏‏.‏وقد ينتهي الإفراط في هذه الشهوة، حتى تصرف همة الرجل إلى كثرة التمتع بالنساء فيشغله عن ذكر الآخرة، وربما آل إلى الفواحش، وقد تنتهي بصاحبها إلى العشق، وهو أقبح الشهوات، وأجدرها أن تستحيي منه، وقد يقع عند كثير من الناس عشق المال، والجاه، واللعب بالنرد، والشطرنج، والطنبور، ونحو ذلك، فتستولي هذه الأشياء على القلوب فلا يصبرون عنها‏.‏ ويسهل الاحتراز عن ذلك في بدايات الأمور، فإن آخرها يفتقر إلى علاج شديد، وقد لا ينجح، ومثاله من يصرف عنان الدابة عند توجهها إلى باب تريد دخوله، فما أهون منعها يصرف عنانها، ومثال من يعالجه بعد استحكامه، مثال من يتركها حتى تدخل الباب وتجاوزه، ثم يأخذ بذنبها يجرها إلى وراء، وما أعظم التفاوت بين الأمرين